فصل: بَابُ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مُكَاتَبَةِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: رَجُلٌ كَاتَبَ أَمَةً لَهُ حَامِلًا فَمَا فِي بَطْنِهَا دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَوَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَشْتَرِطُ مَا فِي بَطْنِهَا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُتَمَكِّنٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى وَطْأَهَا أَوْ خِدْمَتَهَا لِنَفْسِهِ.
وَإِنْ كَاتَبَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا فِي الْبَطْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا فَلَا يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ مَقْصُودًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْجَنِينِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقَبُولِ الْأُمُّ وَغَيْرُهَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَائِبًا فَإِنَّ نِيَابَةَ الْغَيْرِ شَرْعًا فِيمَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَإِنْ كَاتَبَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ سَعَى الْوَلَدُ فِي مُكَاتَبَتِهَا عَلَى نُجُومِهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا انْفَصَلَ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهَا وَالنُّجُومُ تَبْقَى بِبَقَاءِ مِثْلِ هَذَا الْجُزْءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ سَعَى فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ قَائِمٌ مَقَامَهَا، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ تَسْعَى فِي الدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ جَمِيعًا فَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْمُكَاتَبَةَ قَبْلَ الدَّيْنِ عَتَقَ وَأَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْعَى لَهُمْ فِيهِ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَاجَتِهَا كَكَسْبِهَا وَإِنَّمَا يَبْدَأُ مِنْ كَسْبِهَا بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِالْعَجْزِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْوَلَدُ قَائِمٌ مَقَامَهَا، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا لَوْ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الدَّيْنِ عَتَقَتْ وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوهَا بِالدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ إذَا أَدَّى وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْوَلَدِ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّتِهَا وَلِهَذَا بَقِيَتْ النُّجُومُ بِبَقَاءِ الْوَلَدِ فَهُمَا دَيْنَانِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا قَضَى أَحَدَهُمَا مِنْ كَسْبِهِ صَحَّ قَضَاؤُهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ فَيُطَالِبُونَهُ بِأَنْ يَسْعَى لَهُمْ كَمَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَدَّتْ الْكِتَابَةَ فِي حَيَاتِهَا.
وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ رَدَّهُ الْقَاضِي رَقِيقًا وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ هِيَ فِي حَيَاتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ يَثْبُتُ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَيُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَخَذَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَرِيمٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَيُسَلِّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَجَزَ؛ لِأَنَّهُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ كَالْحُرِّ وَإِذَا قُتِلَ الْوَلَدُ خَطَأً أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَيَبْدَأُ مِنْهَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَذَلِكَ فِي حَاجَتِهَا بِمَنْزِلَةِ مَالِهَا فَيَبْدَأُ مِنْهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا خَرِبَتْ تَعَلَّقَتْ الْحُقُوقُ بِالْمَالِ فَيُبْدَأُ بِالْأَقْوَى، وَالدَّيْنُ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ تُقْضَى الْكِتَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِوَرَثَةِ الِابْنِ دُونَ وَرَثَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَعِتْقِ الْوَلَدِ بِأَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهَا مِنْ بَدَلِ نَفْسِ الْوَلَدِ وَكَسْبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ الْفَضْلُ سَالِمًا لَهُ فَكَذَا يُسَلَّمُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَسْتَوِي إنْ كَاتَبَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَتَرَكَتْ مَالًا وَفَاءً بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهَا فَقَبَضَ الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابَةِ تَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهَا فَأَدَاؤُهُ كَأَدَائِهَا إلَّا أَنَّ الْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِذَلِكَ الْمَالِ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ غُرَمَاءِ الْحُرِّ بِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحَقُّهُمْ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلِابْنِ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَلِهَذَا أَخَذُوا الْمَالَ مِنْهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الِابْنِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْبَدَلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتْرُكْ مَالًا وَأَدَّى الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ مِنْ كَسْبِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي ذِمَّتِهِ كَحَقِّ الْمَوْلَى، وَهُوَ مُكَاتَبٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَيَمْلِكُ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي قَبَضَ مَالَهَا مِنْ غَيْرِ أَدَاءِ الْوَلَدِ إلَيْهِ لَمْ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَالُ الْغُرَمَاءِ فَالْمَوْلَى غَاصِبٌ فِي أَخْذِهِ لَا مُسْتَوْفٍ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمَالٍ هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ مَغْصُوبٌ لِإِنْسَانِ فَغَصَبَ الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَمْ تَعْتِقْ وَلَوْ أَدَّتْ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ عَتَقَتْ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهَا دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ الْأَوَّلِ تَعْتِقُ هِيَ وَوَلَدُهَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْقَاضِي كَأَدَاءِ الْوَلَدِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي لَهُ وِلَايَةُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ كَمَا يَكُونُ لِمَنْ يَخْلُفُهُ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى وَلَدَهَا فِي حَيَاتِهَا عَتَقَ وَلَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ مَحْضٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَقْتَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ جَازَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى جَازَ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَبَقِيَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي ذِمَّتِهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَائِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْوَلَدِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ، وَبِالْعِتْقِ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْعِتْقِ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا يَفُوتُ الْغُرَمَاءَ شَيْءٌ مِنْ مَحِلِّ حَقِّهِمْ وَلَا يَضْمَنُ لِلْغُرَمَاءِ شَيْئًا وَلَكِنَّ الْوَلَدَ يَسْعَى لَهُمْ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ أُمَّتَهُ، وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَبِلَتْ مِنْ بَعْدُ، ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ عَتَقَ مِنْ الْوَلَدِ مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ تَبَعٌ لَهَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهَا، وَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ.
وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَقَدْ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ السِّعَايَةَ فِي نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَالْوَلَدُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَسْعَى فِيمَا عَلَيْهَا وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي نِصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مَقْصُودًا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يَسْعَى الْوَلَدُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا فِيمَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِهَا فَكَانَ هَذَا وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَبْطُلْ عَنْهُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ سِعَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ خِلَافَتِهِ عَنْهَا فَلَا يَبْطُلُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهَا وَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ جَارِيَةً فَعَلِقَتْ مِنْ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ لِلْمَوْلَى وَسَعَتْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى أُمِّهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ تَسْعَ فِي الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ سِعَايَتَهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ كَانَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِنَفْسِهَا وَقَدْ عَتَقَتْ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ يَصِيرُ مُبَرِّئًا لَهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّهَا فِي حَيَاتِهَا كَانَ مُبَرِّئًا لَهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَيَسْتَوِي إنْ أَعْتَقَهَا قَصْدًا أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ.
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أَمَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَجَنَى عَلَى الْوَلَدِ جِنَايَةً أَوْ اكْتَسَبَ مَالًا فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَكَسْبُهُ وَأَرْشُ طَرَفِهِ لَهَا وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَإِنْ عَتَقَا، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَذَلِكَ مِيرَاثٌ عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَخَذَتْ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَأْخُذْ بِخِلَافِ مَا يَكْتَسِبُهُ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَالَ بَقَاءِ الْأَصْلِ لَا عِبْرَةَ لِلتَّبَعِ فَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ كَكَسْبِهَا وَلَوْ اكْتَسَبَتْ، ثُمَّ عَتَقَتْ وَمَاتَتْ كَانَ كَسْبُهَا مِيرَاثًا عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ كَسْبُ وَلَدِهَا فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَاتَ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَلَكِنْ بَقِيَ الْوَلَدُ خَلَفًا عَنْهَا فِيمَا كَانَ مِنْ حَاجَتِهَا وَحَاجَتُهَا إلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ لِتَعْتِقَ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِ الْوَلَدِ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ كَانَ جَمِيعُ قِيمَتِهِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ صَارَ قَاتِلًا لَهُ فَإِنَّ بِالْعِتْقِ لَا تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ هُنَا حِينَ لَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ وَإِذَا صَارَ قَاتِلًا لَهُ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ وَقْتَ جِنَايَتِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَالِمًا لِلْأُمِّ.
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ وَوَرَثَةٍ أَحْرَارٍ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهُ وَلَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا فَذَلِكَ الْمَالُ مَالُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ تَمَّ لَهَا فِي حَيَاتِهَا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِمَوْتِهَا وَلَكِنَّ الْقِيمَةَ مَالُهَا وَيَأْخُذُ الْمَوْلَى مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ عَنْهَا وَيَجُوزُ لِوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ مُكَاتَبَ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ لَهَا بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ سَعَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَسْعَى فِي حَيَاتِهَا فَإِنْ اكْتَسَبَ مَالًا قَضَى مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ وَعَلَى أُمِّهِ وَسَعَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ، هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيَسْعَى فِي جَمِيعِ مَا عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَ بُدِئَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ فِي ذِمَّتِهِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا وَأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ لِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فَيُبْدَأُ مِنْ كَسْبِهِ بِدَيْنِهِ، ثُمَّ بِدَيْنِ أُمِّهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَوْ أَذِنَتْ لِعَبْدِهَا فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ، ثُمَّ مَاتَتْ كَانَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مِنْ غُرَمَائِهَا فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهَا بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ حَاجَتِهِ فَإِنَّ حَاجَةَ الْمُكْتَسِبِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ.
مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ بِنْتًا فَكَبِرَتْ وَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِالدَّارِ، ثُمَّ أُسِرَتْ لَمْ تَكُنْ فَيْئًا؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ تَبَعٌ لِأُمِّهَا وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْأَسْرِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ أَحَدًا لَا يَتَكَاتَبُ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ الِابْنَةَ لَوْ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً حَقِيقَةً لَصَارَتْ فَيْئًا بِالْأَسْرِ فَإِنْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الِابْنَةَ مِنْ الْحَبْسِ حَتَّى تَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا؛ لِأَنَّ حَبْسَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى فِيهَا، وَفِي سِعَايَتِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا ارْتَدَّتْ لَمْ تُحْبَسْ وَلَكِنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْمَوْلَى يَسْتَخْدِمُهَا وَيَحْبِسُهَا فَكَذَلِكَ الِابْنَةُ هُنَا تَخْرُجُ لِتَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ قَتَلَهَا الْوَلَدُ فَقَتْلُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَأَنَّهَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهَا فَلَوْ وَجَبَ لَهَا بِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهَا فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَإِنْ جَنَتْ الْأُمُّ جِنَايَةً عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْجِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ تَسْعَى فِيهَا فَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَلَدِ يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِشَيْءٍ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ بِعَجْزِهِ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ مَاتَتْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَ حَقُّهُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلَيْنِ:

(قَالَ): وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ سَالِمٍ لِلْقَابِضِ بَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ أَدَاؤُهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَأَدَائِهِ إلَيْهِمَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ كَمَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِجَمِيعِهِ كَانَ مُعْتِقًا لَهُ بِإِبْرَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِهِ كَانَ مُعْتِقًا لِحِصَّتِهِ بِإِبْرَائِهِ إيَّاهُ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى حِصَّتَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَسْقَطَ بِالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ نَصِيبُهُ خَاصَّةً فَيَتَحَقَّقُ بِهِ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَصِيبِهِ فَأَمَّا الْمُسْتَوْفِي لَيْسَ بِنَصِيبِهِ خَاصَّةً حَتَّى كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَلَا يَتِمُّ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نَصِيبِهِ بِهَذَا الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ أَوْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ سَلَامَةُ الْمَقْبُوضِ لَهُ بِهَذَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ عَجَزَ الْغُلَامُ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَقْبُوضَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا فَاتَ شَرْطُهُ بِالْعَجْزِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، ثُمَّ الْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا إيَّاهُ إنْ شَاءَ عَجَزَ وَيَكُونُ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالسِّعَايَةِ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ عِنْدَ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُ بِإِيجَابِ الْأَقَلِّ كَأَنَّ حَقَّهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ كَانَ فِي الْأَقَلِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ بِاتِّصَالِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِاتِّصَالِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بِحُكْمِ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَحِينَ عَجَزَ نَفْسُهُ فَقَدْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَكَانَ حَقُّ السَّاكِتِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَيْنًا وَلَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُ إلَّا بِاتِّصَالِ نِصْفِ الْقِيمَةِ إلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْأَقَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ أَخَذَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ مَالِهِ كَمَا كَانَ يُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ.
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدَيْنِ بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا عَلَى حِدَةٍ بِحِصَّتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَسَّمَ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ وَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إلَيْهِمَا عَتَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُلْتَزِمًا لِجَمِيعِ الْبَدَلِ، الْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ مُرَاعَاةً لِشَرْطِ الْمَوْلَى، وَالْمَالِكُ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمَا كَفَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ.
فَأَمَّا هُنَا نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَالِكٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ كَانَ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فِي الْبَعْضِ، وَفِي نِصْفِ ذَلِكَ كَفَالَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَمْلُوكٍ هُوَ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَفَالَةً حَقِيقَةً وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحِصَّتِهِ خَاصَّةً يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ.
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّ الْمُكَاتَبَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُكَاتَبِ لَاقَى خَالِصَ مِلْكِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ، وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ، أَمَّا فِي الْحَالِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ عَقْدِ شَرِيكِهِ وَإِذَا جَازَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَأَنْ يَجُوزَ فَسْخُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يَرْضَ بِعَقْدِهِمَا أَوْلَى، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلَاقِيَ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ، ثُمَّ لِلْغَيْرِ أَنْ يَفْسَخَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ أَوْ الْآجِرِ يَبِيعُ الْمُؤَاجَرَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ حَتَّى يُنْظَرَ مَاذَا يَصْنَعُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ وَضَمِنَ الَّذِي كَاتَبَهُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّى وَأَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ فَإِذَا صَارَ الْمُكَاتَبُ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ وَلَائِهِ لَا يَمْلِكُ الْآخَرُ إبْطَالَهُ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ إعْتَاقِهِ لِتَوَقُّفِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ تَبَيَّنَ أَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ كَانَ مُنْتَقِلًا إلَى الْمُكَاتَبِ فَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْتِقِ فِي نَصِيبِهِ فَأَمَّا عِنْدَنَا: نَصِيبُ الشَّرِيكِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَعِنْدَهُمَا مُكَاتَبٌ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ بِإِعْتَاقِهِ وَإِذَا أُعْتِقَ فَالْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَدَّى الْبَدَلَ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُمَا، وَإِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخَيَّرُ الَّذِي كَاتَبَهُ بَيْنَ عِتْقِهِ وَاسْتِسْعَائِهِ، وَتَضْمِينِ شَرِيكِهِ لِمَا بَيَّنَّا.
وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِلْآخَرِ حَقُّ التَّضْمِينِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْآخَرِ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَنْفُذُ مِنْهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الثَّانِي وَإِنْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِمَعْنَى دَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُكَاتَبٌ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَيَسْتَوْفِي الْبَدَلَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الشَّرِيكُ الْكِتَابَةَ فَنَقُولُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ، ثُمَّ يَكُونُ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُكَاتَبِ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى كَسْبُهُ وَكَسْبُهُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَيْضًا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ كَانَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ وَقَدْ سَلَّمَ نَصِيبَهُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَلَمْ يُسَلِّمْ لِلْمَوْلَى نِصْفَ الْبَدَلِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ آخَرُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا فَلِلشَّرِيكِ خِيَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ أَوْ الْإِعْتَاقَ أَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُعْسِرًا فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْجَوَابُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِالنِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ شَرِيكُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا فَإِنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْكَسْبِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ إلَّا النِّصْفَ وَقَدْ سَلَّمَ لِلْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ نِصْفَ الْبَدَلِ أَيْضًا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ إلَّا التَّضْمِينُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَوْفَى الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ أَيْضًا وَبِنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِذْنُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي قَبْضِ الْبَدَلِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْبَدَلِ فَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْفَصْلُ وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ إلَّا فِي حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ فَسْخِ الْكِتَابَةِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِالسَّبَبِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذْنُهُ فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ يَكُونُ إذْنًا فِي كِتَابَةِ الْكُلِّ فَيَصِيرُ الْكُلُّ مُكَاتِبًا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْبَدَلِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْآخَرِ نَصِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي نَصِيبِهِ كَانَ وَكِيلًا وَالْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِلْبَدَلِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْآخَرِ نَصِيبُهُ حِينَئِذٍ يَعْتِقُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ كُلُّهُ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَأْذَنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ فِي أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَبَضَ الْمَكَاتِبُ الْبَدَلَ فَلَيْسَ لَلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِرِضَاهُ وَصَارَ هُوَ آذِنًا لِلْعَبْدِ فِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِكَسْبِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ شَيْءٍ مِنْ الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْتِقُ كُلُّهُ بِقَبْضِ الْمَكَاتِبِ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَى الشَّرِيكِ نَصِيبُهُ أَوْ لَمْ يَصِلْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِ فِي قَبْضِ الْبَدَلِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَا سَبِيلَ لَلشَّرِيكِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ مِمَّا قَبَضَهُ الْمَكَاتِبُ أَوْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ نَصِيبِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَاتَبَ جَمِيعَ الْعَبْدِ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا كَقَوْلِهِمَا حَتَّى إذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ هُنَا بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَكَاتِبِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ سَلَّمَ لِلْمَكَاتِبِ نِصْفَ الْبَدَلِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ، ثُمَّ نَهَاهُ بَعْدَ مَا قَبَضَ بَعْضَهُ صَحَّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لِلْمُكَاتَبِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا شَيْئًا إيَّاهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِيمَا يَقْبِضُ بَعْدَهُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا كَانَ قَبَضَ قَبْلَ النَّهْيِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ.
وَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ شَرِيكُهُ حَتَّى كَاتَبَهُ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَلِمَ بِكِتَابَةِ الْأَوَّلِ فَأَرَادَ رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِهِ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَهُ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ الضَّرَرَ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَعْدَ هَذَا مِنْهُ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ مُكَاتَبًا بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ شَرِكَةً كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَاهُ مَعًا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ وَجَبَ لَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ كِتَابَةِ الثَّانِي كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْ كَسْبِهِ بِكِتَابَةِ نَفْسِهِ فَيَقْتَصِرُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي مُكَاتَبَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ فَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا فِيمَا قَبَضَ الْآخَرُ وَلَا يُشَارِكُهُ.
وَقَوْلُهُ وَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي الْقَبْضِ وَلَكِنْ إنَّمَا لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ كَسْبِهِ، وَنُصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَدَلِ وَاجِبٌ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْبُوضِ.
وَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْقَبْضِ فَقَبَضَ بَعْضَ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ عَجَزَ الْغُلَامُ فَفِي الْقِيَاسِ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ لِيُعْتِقَ نَصِيبَهُ بِهِ وَلَمْ يُعْتِقْ حِينَ عَجَزَ الْغُلَامُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ الْآذِنُ بِأَنْ يَقْضِيَ الْعَبْدُ دَيْنَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا دَيْنَ فَبَقِيَ هُوَ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْ الْمَقْبُوضِ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهِ بِعَجْزِ الْغُلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ عَنْ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَمَّا بَقِيَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَبَرِّعِ اسْتِرْدَادُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَإِذَا كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ وَهَبَ لِلْعَبْدِ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى نِصْفٍ شَائِعٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ حِصَّةُ نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ.
وَإِنْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ جَمِيعَ حِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ عَتَقَ إمَّا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ وَهَبْتُ لَكَ الْمُكَاتَبَةَ كُلَّهَا سَوَاءٌ أَوْ؛ لِأَنَّهُ بَرِيءَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ حِينَ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَاهُ، ثُمَّ وَهَبَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُنَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ إلَيْهِ فَعَلِمَ أَنَّ هِبَةَ جَمِيعِ حِصَّتِهِ تَكُونُ هِبَةً لِجَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلِقَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَإِنْ شَاءَ عَجَزَتْ فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ بَيْنَهُمَا وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَخَذَتْ عُقْرَهَا فَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ، ثُمَّ عَلِقَتْ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ عَجَزَتْ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ، وَالْوَلَدُ الثَّانِي لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا فِي الظَّاهِرِ مُكَاتَبٌ لَهُ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ الثَّانِي مِنْهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حَقَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ مَانِعًا مِنْ ظُهُورِ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ الْعَجْزِ وَقَدْ ارْتَفَعَ هَذَا الْمَانِعُ بِالْعَجْزِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِيَارَ إذَا سَقَطَ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الزَّوَائِدَ وَإِذَا صَارَتْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلثَّانِي وَعَلَى الثَّانِي جَمِيعُ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي وَنِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ جَمِيعِ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَكُونُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ قِصَاصًا وَيَبْقَى لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا أَنَّهُ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا صَارَ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَى.
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ بِنْتًا، ثُمَّ وَطِئَ أَحَدُهُمَا الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ قَالَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ بِمَنْزِلَةِ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا بِالدَّعْوَى كَمَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالِابْنَةُ عَلَى حَالِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ نَفْسَهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لِتَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَمْلِكُ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَقْصُودًا وَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ أُمِّهَا وَلِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا كَانَتْ تُعْجِزُ نَفْسَهَا عَمَّا عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَقَدْ كَانَ لِلْأُمِّ مَنْفَعَةٌ فِي التَّخْيِيرِ فَخَيَّرْنَاهَا وَلَا مَنْفَعَةَ لِلِابْنَةِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْمُسْتَوْلِدِ عُقْرُهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَكِنَّ عُقْرَهَا لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهَا وَأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ صَارَتْ الِابْنَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ظُهُورِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهَا قَدْ ارْتَفَعَ بِعَجْزِ الْأُمِّ وَإِنَّمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينَ عَلِقَتْ مِنْهُ فَلِهَذَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ عَلِقَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُعْجِزْ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الِابْنَةَ بَعْدَ عُلُوقِهَا مِنْ الْأَوَّلِ عَتَقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الِابْنَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهَا فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتَقِ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ أُمِّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُسْتَوْلِدِ وَقَدْ عَتَقَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ إعْتَاقِهِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الشَّرِيكِ نَصِيبَهُ مِنْ الْأُمِّ يَكُونُ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ عِتْقِ السُّفْلَى بِإِعْتَاقِ الْعُلْيَا عَلَى أَصْلِهِ وَالْمُكَاتَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا تَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ أَوْ تَعْجِزُ فَتَكُونُ أَمَةً بَيْنَهُمَا.
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِنَصِيبِهِ بِسَبَبِ دُخُولِهِ فِي مُكَاتَبَةِ الْأُمِّ، وَهُوَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى تَعْجِزَ الْأُمُّ أَوْ تَعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَنْقَلِبُ مَقْصُودًا مَا بَقِيَ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَهَا حَقٌّ فِي كَسْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُعْتِقُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا فِي كَسْبِهِ فَإِنْ عَتَقَتْ عَتَقَ مَعَهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَقِيَ رَقِيقًا مِنْهُ فَإِنْ عَجَزَتْ فَقَدْ زَالَ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ، وَصَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يُعْتِقُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَقْتَ إعْتَاقِهِ لَا وَقْتَ عَجْزِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ وَقْتَ الْغَصْبِ.
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ بِنْتًا فَوَطِئَا الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ فَوَلَدَتْ مِنْهُمَا، ثُمَّ مَاتَا فَالِابْنَةُ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِمَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَاهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا اسْتَغْنَتْ عَنْ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ لِمَا ظَهَرَ لَهَا مِنْ سَبَبِ الْعِتْقِ مَجَّانًا وَتَبْقَى الْأُمُّ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ عِتْقَ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُمَا، ثُمَّ مَاتَا عَتَقَتْ هِيَ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَعَتَقَ وَلَدُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بِالِاسْتِيلَادِ كَعِتْقِهَا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا إذَا أَعْتَقَاهَا عَتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُمَا إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنْ عَجَزَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ بِعَجْزِهَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ رَقِيقًا، ثُمَّ يَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْفِصَالِ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهَا وَحَقُّ الْعِتْقِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ كَحَقِيقَةِ الْعِتْقِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَلِقَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا لَا يُخَالِفُهُمَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ لَمْ يَصِرْ مُكَاتَبًا فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ حَفِظَ جَوَابَهُمَا وَلَمْ يَحْفَظْ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الِاسْتِيلَادَ سَابِقًا وَلَا طَارِئًا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَنِصْفَ عُقْرِهَا لَلشَّرِيكِ وَهَذِهِ إجَازَةٌ لِلْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِتَحَوُّلِ نَصِيبِهِ إلَى الْمُسْتَوْلِدِ قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا يُرِيدُ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي حُكْمِ لُزُومِ الْكِتَابَةِ.
فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ الْمُسْتَوْلِدُ ضَامِنٌ نِصْفَ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ فِي نَصِيبِهِ كَانَ نَافِذًا وَمَنْ اسْتَوْلَدَ مُكَاتَبَتَهُ يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَهَا وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ هَذَا فَقَالَ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ وَطِئَ الَّذِي كَاتَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِالْمُكَاتَبَةِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَيَضْمَنُ الْوَاطِئُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَنِصْفَ عُقْرَهَا لَلشَّرِيكِ، وَنِصْفُ الْعُقْرِ لَهَا وَلِلْمُكَاتَبَةِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ أَخَذَتْ نِصْفَ الْعُقْرِ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَارَتْ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِصْفُ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نِصْفَ الْعُقْرِ لِكَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ اخْتَارَتْ الِاسْتِيلَادَ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهَا دَيْنًا وَإِنْ أَجَازَ شَرِيكُهُ الْمُكَاتَبَةَ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ مِنْهُ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ عَقْدًا بَاطِلًا وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَكَاتِبِ بِالِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا كَانَ يُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مِنْهَا فَصَحَّ اسْتِيلَادُهُ فِيهَا وَالْمُكَاتَبَةُ عَلَى حَالِهَا جَائِزَةٌ حَتَّى يَرُدَّهَا الْوَاطِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْرَأُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَمْ يَكُنْ إقْدَامُهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ إبْطَالًا مِنْهُ لِلْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ انْتِقَالِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَيْهِ بِالِاسْتِيلَادِ هُوَ الْكِتَابَةُ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ وَإِنْ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ فَإِنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِ الْمُسْتَوْلِدِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ لَازِمَةٌ حِينَ بَاشَرَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَتَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَإِذَا أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ عَتَقَتْ وَلَمْ تَسْعَ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَاكْتَسَبَتْ مَالًا وَقَضَتْ مِنْهُ الْكِتَابَةَ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ اكْتَسَبَتْ مَالًا، ثُمَّ حَضَرَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَلَهُ نِصْفُ مَا اكْتَسَبَتْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَهَا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَكَاتِبِ مِنْهَا مُكَاتَبٌ، وَنُصِيبَ الشَّرِيكِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَالْكَسْبُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمَا اكْتَسَبَتْهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَعْتِقُ كُلُّهَا بِعِتْقِ الْبَعْضِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمَكَاتِبِ وَنُصِيبُ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ وَالْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ شَيْءٌ مِمَّا اكْتَسَبَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا وَتَرَكَتْ مَالًا فَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ؛ لِأَنَّهُ كَسَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا وَيَأْخُذُ الَّذِي كَاتَبَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ نَصِيبِهِ مِنْهَا وَالْمُكَاتَبَةُ كَانَتْ نَافِذَةً فِي نَصِيبِهِ فَيَأْخُذُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي تَرِكَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ نِصْفَ قِيمَتِهَا مِمَّا بَقِيَ إنْ كَانَ شَرِيكُهُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَدْ مَاتَتْ عَنْ مَالٍ فَيَأْخُذُ تِلْكَ السِّعَايَةَ مِنْ مَالِهَا وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهَا الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِعِتْقِهَا بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَهُمَا كَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهِيَ مَوْلَاةٌ لَهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَكَاتِبَ صَارَ مُعْتِقًا لِنَصِيبِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمَكَاتِبُ فِي مَالِهَا كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا وَمِيرَاثُهَا لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ.
وَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ بَعْدَ مَا أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ وَقَدْ تَرَكَتْ مَالًا لَا يُدْرَى مَتَى اكْتَسَبَتْهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْمَالُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ حُدُوثَهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ، وَهُوَ اكْتِسَابُهَا، وَاسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ لَمْ يُعْلَمْ سَبَبُهُ، وَهُوَ كَوْنُ نَصِيبِهِ قِنًّا حِينَ اكْتَسَبَ وَلَا يُقَالُ قَدْ عَرَفْنَا نَصِيبَهُ مَمْلُوكًا قِنًّا لَهُ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عُلِمَ زَوَالُهُ بَعْدَ مَا أَدَّتْ الْكِتَابَةَ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ خِلَافُهُ مَعْلُومًا فِي الْحَالِ.
جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَدَّتْ إلَيْهِ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَعَلِقَتْ مِنْهُ قَالَ تَسْعَى لَهُ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتِبِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ لَمَا نَفَذَ فِيهَا مِنْ الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَكَاتِبِ وَإِنَّمَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا عَجَزَتْ عَنْ السِّعَايَةِ وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ هَهُنَا حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ عَتَقَ نَصِيبُهُ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا السِّعَايَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَةً، ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْعَجْزِ فَصَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا إرْثًا قَدْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخَذَتْ عُقْرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُورَثُ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةِ حَقِّ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ فِيهَا بِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ لَهَا.
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ إلَيْهِمَا، ثُمَّ قُتِلَ مُرْتَدًّا قَالَ لَا تَعْتِقُ وَلَيْسَ أَدَاؤُهَا إلَى الْمُرْتَدِّ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا جَائِزٌ كَقَبْضِ الْمُسْلِمِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ تَتَوَقَّفُ وَتَبْطُلُ بِقَتْلِهِ فَكَذَلِكَ قَبْضُهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْبَدَلِ كَانَ مَوْقُوفًا وَبِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَقَّ الْوَارِثِ فَكَانَ قَبْضُهُ بَاطِلًا وَتَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهَا أَيْضًا، ثُمَّ يَسْتَسْعُونَهَا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِنْ عَجَزَتْ رُدَّتْ فِي الرِّقِّ بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبَةٍ أَدَّتْ نِصْفَ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَيَيْنِ، ثُمَّ عَجَزَتْ، ثُمَّ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَاتَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ كَانَ جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ بِالرِّدَّةِ صَارَ مَالُهُ كَأَنَّهُ لِلْوَارِثِ وَالْعَاقِدُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْبَدَلِ بِعَقْدِهِ إذَا كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَاقِدِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّ حَقَّ قَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي كَسْبِ إسْلَامِهِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَا لَمْ يُسْلِمْ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ قَبْضُهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ، وَفِي الثَّمَنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا هَذَا الْفَرْقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَيَجُوزُ قَبْضُهُ الثَّمَنَ بِحَقِّ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَحِقَهُ الْحَجْرُ بِالرِّدَّةِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كَانَ قَبْضُهُ الثَّمَنَ صَحِيحًا وَلَوْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَدَّتْ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ نَصِيبَ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ وَإِنْ أَدَّتْ إلَى الشَّرِيكِ الْبَاقِي وَإِلَى وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عَتَقَتْ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بِلَحَاقِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَدَفَعَتْ الْكِتَابَةَ إلَى الشَّرِيكِ الْحَيِّ وَإِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَجَزَتْ بَعْدَ مَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهَا فِي الرِّقِّ، ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَكِتَابَتِهِ وَالْكِتَابَةُ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبًا فَعَجَزَتْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْعَقْدَ بِخُصُومَةِ الشَّاهِدِ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ.
وَإِذَا ارْتَدَّ الشَّرِيكَانِ مَعًا، ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ فَرَدَّاهَا فِي الرِّقِّ فَإِنْ أَسْلَمَا فَهِيَ أَمَةٌ قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُتِلَا عَلَى الرِّدَّةِ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ بِنْتًا، ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ وَطِئَ الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ وَوَطِىءَ الْآخَرُ الْأُمَّ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَقَالَتَا نَحْنُ نَعْجِزُ فَذَلِكَ لَهُمَا وَمُرَادُهُ أَنَّ لِلْأُمِّ أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَإِذَا اخْتَارَتْ الْأُمُّ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُقْرَهَا مِنْ الْوَاطِئَ، وَعُقْرُ الِابْنَةِ يَكُونُ لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمَّ وَلَدٍ لِلَّذِي وَطِئَهَا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَلَا يَرُدَّهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ الَّذِي كَاتَبَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِلْآخَرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِخَ إنَّمَا يَفْسَخُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَالْعَاقِدُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ أَيْضًا فَإِذَا اسْتَوَتْ الْأَقْدَامُ كَانَ الْفَصْلُ إلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.